بعد سقوط الفاشر: قراءة في تصاعد الحرب بالسودان وتداعياتها الإنسانية

ملخص للأحداث

  • ما يجري في السودان منذ أبريل 2023 هو صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أدى إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية عالمياً.
  • جوهر الأزمة: صراع على السلطة وإصلاح القطاع الأمني ودمج قوات الدعم السريع تحت قيادة الدولة، متشابك مع مصالح اقتصادية وشبكات نفوذ إقليمية.
  • الوضع الراهن: اتساع الانتهاكات، انهيار الخدمات، نزوح جماعي، وانعدام أمن غذائي حاد، مع تقارير موثّقة عن فظائع في دارفور، وآخرها عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر.
  • الأفق الممكن: حزمة مسارات متوازية لا “اتفاقاً واحداً”؛ تشمل وقف إطلاق نار قابل للمراقبة، فصل القوات، ممرات إنسانية، إصلاح أمني مرحلي، مسار سياسي مدني، وعدالة انتقالية.

أولاً: كيف بدأ الصراع؟ جذور الأزمة المركّبة

  • إرث العنف في دارفور: تعود جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيات “الجنجويد” خلال حرب دارفور في العقد الأول من الألفية، التي اتُّهمت بفظائع واسعة. لاحقاً جرى “تمأسسها” كقوة شبه عسكرية مع موارد ونفوذ مستقل.
  • الانتقال السياسي الهش بعد 2019: سقوط نظام عمر البشير فتح نافذة إصلاح، لكنها ترافقت مع ازدواجية السلطة بين المكوّن العسكري والقوى المدنية، وتضارب رؤى الإصلاح الاقتصادي والأمني.
  • عقدة “الإصلاح الأمني ودمج RSF”: الخلاف على الجدول الزمني، التسلسل القيادي، ومن يسيطر على القوة والموارد، فجّر أزمة ثقة بين الجيش وRSF.
  • شبكة المصالح والاقتصاد الحربي: الذهب، الجمارك غير الرسمية، الشركات التابعة، والمعابر شكّلت مصادر تمويل وقوة للأطراف.
  • البعد الإقليمي: تقارير أممية وإعلامية مستقلة تحدثت عن دعم خارجي بالسلاح والمسيّرات والتمويل لطرفي النزاع، ما زاد تعقيد الأزمة وأطال أمدها.

ثانياً: من هم أطراف الصراع؟

  • القوات المسلحة السودانية SAF: بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. تمتلك قدرات جوية ونظامية، وتحتفظ بنفوذ في الشرق والشمال وبعض الوسط.
  • قوات الدعم السريع RSF: بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، تعتمد تكتيكات حرب المدن والتحرك السريع، وتوسعت في الغرب ووسط البلاد، مع حضور كثيف في دارفور.
  • فصائل محلية مساندة: جزء من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا (2020) انخرط إلى جانب الجيش خاصة في دارفور.
  • المدنيون: الضحية الأكبر. وثّقت منظمات أممية وحقوقية انتهاكات جسيمة، بما فيها هجمات ذات دوافع عرقية في دارفور، وقتل خارج القانون، وعنف جنسي ممنهج، ونهب وحصار.

ثالثاً: خط زمني موجز (2019–2025)

  • 2019: سقوط البشير؛ بداية انتقال مدني-عسكري متعثر.
  • أكتوبر 2021: إجراءات أنهت الشراكة مع المكوّن المدني، وزادت هشاشة المرحلة.
  • مطلع 2023: تفاقم الخلاف حول دمج RSF والإصلاح الأمني.
  • 15 أبريل 2023: اندلاع القتال الشامل في الخرطوم ومناطق أخرى.
  • أواخر 2023: تصاعد الفظائع المبلغ عنها في غرب دارفور (الجنينة)، وتحذيرات أممية من نمط عنف على أساس عرقي.
  • 2024: اتساع رقعة الحرب، حصار طويل للفاشر، تدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني.
  • 2025 (أكتوبر): تقارير متقاطعة عن سيطرة RSF على الفاشر، واتهامات بقتل جماعي وإعدامات وجرائم ضد الإنسانية بعد دخول المدينة، تزامناً مع انسحاب الجيش. انظر تغطيات وتحليلات حديثة: BBC عربي، Beam Reports، Independent عربية.

رابعاً: الوضع الميداني والإنساني الراهن

  • أنماط الانتهاكات: تقارير متكررة عن قتل خارج القانون، إعدامات ميدانية، هجمات على أساس عرقي، عنف جنسي، ونهب، وحصار يمنع الغذاء والدواء، لاسيما في دارفور. في الفاشر، وثّقت تقارير وإفادات مدعومة بصور أقمار صناعية عمليات قتل جماعي بعد سيطرة RSF على المدينة. راجع التغطيات والتحليلات: BBC عربي، Beam Reports.
  • الضحايا والنازحون: تقديرات أممية تتحدث عن أعداد ضخمة من القتلى والجرحى وصعوبات في التحقق بسبب قطع الاتصالات ومنع الوصول. النزوح الداخلي والخارجي من الأكبر عالمياً منذ 2023. للمستجدات الإنسانية: OCHA/ReliefWeb، UNHCR.
  • الأمن الغذائي والصحة: ملايين في مستويات انعدام أمن غذائي حاد، مع خطر مجاعة في بؤر محاصرة. انهيار واسع لمرافق صحية وتعطّل منظومات المياه والكهرباء والتعليم. راجع تحديثات WFP وIPC.
  • وصول المساعدات: الوصول الإنساني يواجه قيوداً حادة لاعتبارات أمنية وإدارية ولوجستية. إحاطات أممية منتظمة تدعو لممرات آمنة وآليات تحقق مستقلة. راجع OHCHR وOCHA.

خامساً: كيف يغذّي الاقتصاد الحربي النزاع؟

 كيف يغذّي الاقتصاد الحربي النزاع؟
  • موارد الذهب والمعابر والجباية غير الرسمية: تشكل مصادر تمويل رئيسية للأطراف، وتغذي القدرة على الاستمرار في الحرب.
  • السوق الموازية والتهريب: توسّع الاقتصاد غير الرسمي، مع انهيار جباية الدولة وتآكل المؤسسات.
  • الضبط كجزء من الحل: أي خارطة طريق تحتاج رقابة مالية دولية وحوافز اقتصادية مقابل الالتزام، وعقوبات ذكية موجهة للمعرقلين.

سادساً: أين تقف الجهود السياسية والإنسانية الآن؟

  • المسار الأممي: بيانات متواصلة من الأمم المتحدة ومفوضية حقوق الإنسان تدين الانتهاكات وتطالب بفتح ممرات آمنة وإجراء تحقيقات مستقلة ومساءلة. راجع OHCHR.
  • المنظومة الإنسانية: تنسيق عبر OCHA ووكالات الأمم المتحدة والشركاء لإيصال الغذاء والدواء والمياه، لكن دون وصول كافٍ. راجع OCHA/ReliefWeb.
  • الإقليمي والدولي: مواقف من الاتحاد الأفريقي و”إيقاد” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول عربية تدعو لوقف النار وحماية المدنيين واستئناف مسار سياسي شامل.
  • التحقيقات المستقلة: استخدام صور أقمار صناعية وتحليلات أكاديمية لتوثيق الانتهاكات، ما يعزّز مطالبات المساءلة. راجع أمثلة في Beam Reports وتغطيات BBC عربي.

سابعاً: ما الذي يبدو ممكناً؟ خارطة طريق واقعية متعددة المراحل

  • المرحلة 1: وقف إطلاق نار إنساني قابل للمراقبة
    • آلية مراقبة ميدانية مستقلة، وإلزام برفع الحصار وفتح ممرات إنسانية.
    • حماية المستشفيات والمرافق المدنية، وضمانات أمنية للعاملين الإنسانيين.
  • المرحلة 2: ترتيبات أمنية مؤقتة وفصل القوات
    • تثبيت خطوط التماس، خرائط انتشار، تبادل أسرى، تدابير بناء ثقة.
    • منع إعادة التسلّح عبر رقابة على تدفقات السلاح والتمويل.
  • المرحلة 3: إصلاح ودمج أمني مرحلي
    • مبدأ توحيد القيادة تحت الدولة بجدول زمني واقعي، وتدقيق مهني في الرتب والملفات.
    • هيكلة قطاع الأمن والاستخبارات والشرطة على أسس مهنية خاضعة لرقابة مدنية.
  • المرحلة 4: مسار سياسي مدني شامل
    • حكومة مدنية انتقالية بصلاحيات تنفيذية واضحة، ومجلس أمن ودفاع محدود التفويض.
    • إشراك قوى الأقاليم والمجتمعات المحلية لتقليل الإقصاء ومحفّزات العنف.
  • المرحلة 5: عدالة انتقالية ومساءلة
    • توثيق منهجي وانفتاح على تحقيقات مستقلة، مع مقاربة تراعي عدم نسف وقف النار.
    • آليات تعويض وجبر ضرر للضحايا والمجتمعات المتضررة.
  • المرحلة 6: تجفيف اقتصاد الحرب وحوافز اقتصادية
    • رقابة مالية على الذهب والجباية غير الرسمية والمعابر.
    • حزم دعم دولي مرتبطة بمؤشرات تقدم قابلة للقياس، وعقوبات ذكية على المعرقلين.

ثامناً: المخاطر التي قد تنسف المسار

  • تغيّر سريع في موازين القوى ميدانياً بما يبدّد حوافز التفاوض.
  • انقسامات داخلية داخل كل معسكر وظهور ميليشيات محلية خارج السيطرة.
  • تضارب أجندات الداعمين الخارجيين وإعادة تدوير خطوط إمداد السلاح.
  • فشل آليات المراقبة أو تسييس المساعدات الإنسانية.

تاسعاً: توصيات عملية لصنّاع القرار والمانحين

  • توحيد قنوات الوساطة في مسار منسق بجدول زمني واضح ومقاييس تقدم دورية.
  • تمويل طارئ كبير للإغاثة مع آليات مساءلة وشفافية، وتسريع إصدار الأذونات اللوجستية.
  • ربط أي دعم سياسي/اقتصادي بالتزام ملموس بوقف النار وفتح الممرات وحماية المدنيين.
  • دعم قدرات الرصد المستقل، بما فيها التحليل بالأقمار الصناعية، لحماية الأدلة ومكافحة الإفلات من العقاب.
  • الاستثمار المبكر في استعادة الخدمات الأساسية والتعليم والصحة والمياه كرافعات للاستقرار المجتمعي.

خاتمة

الأزمة السودانية ليست نزاعاً عابراً، بل انعكاس لفراغ مؤسسي ممتد وتراكم تاريخي لعسكرة السياسة واقتصاد الحرب. الخروج منها يتطلب حزمة مسارات متوازية: وقف نار قابل للتحقق، ترتيبات أمنية مؤقتة، إصلاح ودمج أمني مرحلي، مسار سياسي مدني شامل، وعدالة انتقالية، مع ضغط دولي موحد وتمويل إنساني وتنموي مشروط بمؤشرات على الأرض. عندها فقط يمكن الانتقال من إدارة الكارثة إلى بناء سلام مستدام.

More From Author

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *